٣٠ ربيع الآخر ١٤٤٦ هـ
بعد استقراء السنن الكونية في الكتاب والسنة
هل اكتملت أسباب العقوبة الربانية
بقلم الدكتور سعد الفقيه
ما الهدف من تكرار الحديث عن السنن الكونية؟
حين يَرِدُ الحديث عن السّنن الكونية في القرآن والسنّة فهو لا يَرِدُ من أجل ترفٍ فكريٍ أومتعةٍ أكاديمية، بل يردُ لتعريف الأمة بمآلات الحالة العامة ونتائج التصرفات السائدة التي عليها أمةٌ من الأمم أو جيل من الأجيال. وبهذا فإن معرفة هذه السنن تعني تنزيلها على الواقع واستشراف النتائج من خلالها، ومن ثم السعي من خلال السنن نفسها لمنع النتائج السيئة والتعجيل بالنتائج الجيدة.
تنزيل السنن على حال الشعوب في هذا الزمان
لا يحتاج المتأمّل في السنن الكونية التي وردت في الكتاب والسنّة إلى جهد ذهني كبير حتى يستنتج أن الحالة العامة في زماننا تنذر بعقوبة شاملة ومؤلمة، لأن معظم أسباب الغضب الربّاني اكتملت أو كادت. والمشكلة الأخطر من انتشار هذه الأسباب هي ظاهرة اللامبالاة عند العوام وحالة الإنكار عند النخب ولجوء العوام والنخب لمجموعةٍ من الحيل التي يقنعون أنفسهم فيها أن لا قلق من المستقبل بل إن القادم أفضل.
الظلم والفساد والبطر وتحدّي الجبّار
من أهم أسباب العقوبة الربانية تفشي الظلم والعجز عن إزالته، وتفشي الفساد الظاهر المجاهر به، وانتشار البطر وكفر النعمة، وأخطرها هو تحدي الله والجرأة على حرماته. والآيات والأحاديث في هذه المعاني كثيرة وواضحة ومحكمة تكاد لا تحتاج إلى تفسير ولا شرح، ومنعاً للإطالة سردتها في نهاية المقال.
اكتملت منظومة الظلم
إذا كان الآلاف من المصلحين والدعاة والمجاهدين يودَعون السجون ثم يعذَّبون أو يقتلون، وإذا كان الشخص يعتقل ويحاكم من أجل تغريدة أو "نقطة" ، وإذا كانت الأموال والأملاك تنهب بقوة السلطة، وإذا كان الناس يطردون من منازلهم ثم تهدم بيوتهم من أجل تحقيق أحلام المراهقين، وإذا كان حجم الجهاز القمعي أكبر من حجم الجيش، وإذا كان القضاء لا يعرف شريعة ولا معنى العدل ويحكم بما يريد الطاغية، وإذا كانت كل فرص التظلم والإنكار مقفلة بل تؤدي إلى التنكيل والقمع، فهل من شك أن "بند" الظلم في السنن الكونية قد اكتمل نصابه ومهّد الطريق لعقوبة ربانية؟
تعاظمت مسيرة الفساد
وإذا كان مهرجانات الفساد والخلاعة تتبناها السلطة وتنفّذها بنفسها وتنفق عليها من المال العام وتحميها بقواتها الأمنية وتقمع من ينكر عليها، وإذا كانت السلطة تجبر ميادين العمل على الاختلاط وتجبر المطاعم والمقاهي على مظاهر التفسخ، وإذا كانت السلطة تتبنى عرض الأزياء العارية وتنفذ برامج حياة الجنسين قبل الزواج وتزيل القيود عن التعري في السواحل، وإذا كانت السلطة تسهل توفير الخمور وتحمي الأماكن التي يتوفر فيها، فهل من شك أن "بند" الفساد في السنن الكونية قد تعاظم ومهد الطريق لعقوبة ربانية؟
ترسخت ثقافة البطر
وإذا كانت مئات المليارات تنفق إمّا على مشاريع خرافية أو مشاريع إفساديّة، وإذا كان الحاكم يعطي بعض المقربين منه شيكاً على بياض لإفساد الشعب وتخريب الأخلاق، وإذا كان المال يبعثر بجنون على لاعبي الكرة وضيوف الدولة من المطربين والراقصين وبرامج الغسيل الرياضي، وإذا كان جزءاً كبيراً من المال العام يحترق في استثمارات خاسرة يتخذ قرارها شاب طائش، فهل من شك أن "بند" البطر في السنن الكونية قد ترسخ ومهد الطريق لعقوبة ربانية؟
تكررت ظاهرة تحدّي الخالق
وإذا كانت السلطة تستضيف بنفسها الذي يسبون الله والأنبياء ويتهكمون بالدّين وتحميهم بقوة أمنها وتنكّل بمن يعترض عليهم، وإذا كانت السلطة تقيم الحفلات في المكان الذي جاء النهي حتى عن المرور فيه، وإذا كانت السلطة تنشِئ المراقص والملاهي على مقربة من المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإذا كانت تشغل أجهزتها الإعلامية لصالح الصهاينة وضد إخواننا الفلسطينيين وضد كل قضايا المسلمين، وإذا كانت السلطة تتآمر وتتعاون مع الصهاينة وتدعمهم مادياً وأمنياً وسياسياً ولوجستياً وتزودهم بالنفط وتنسق مع بقية الطغاة ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان، وإذا كانت السلطة توجه الزنادقة والمنافقين بأن يتجرأوا على ثوابت الدين في الإعلام والمنصات الثقافية ووسائل التواصل، فهل من شك أن "بند" تحدي الله والجرأة على حرماته وثوابت الدين قد توفّر ومهد الطريق لعقوبة ربانية؟
السّنن والعلماء المزورون
المصيبة أن كثيراً ممن لهم معرفة بالقرآن وتفسيره والأحاديث وشروحها "مثل الحمار يحمل أسفاراً" حين يتعاملون مع قضية السنن، فمن جهة يُبهرك سعة معرفتهِم بتفسير القرآن وشروح الأحاديث نظرياً، ومن جهة أخرى يغضبك تزويرهم في تنزيلها على الواقع، وأسوأ من ذلك التلاعب بتفسير آيات أخرى أو صياغة سنن من وحي عقولهم على مقاس ما يريده الظلمة والطغاة.
يقولون: نتخطف من أرضنا!
"تريد أن يحصل لنا مثلما حصل لسوريا وليبيا؟" عبارة يزعمون بها أن الإنكار على الحكّام الظلمة أو السعي لتَغييرهم يحيل البلاد إلى مثل حال سوريا وليبيا وغيرها. لا يدرك الأحمق الذي يردد تلك العبارة أن ما أصاب سوريا وليبيا إنما هو ذات الحالة التي يعيشها من يرددها وهي تأخير السعي للتغيير، ولو بادر أهل تلك البلاد بالتغيير قبل اكتمال أسباب العقوبة لما حلت بهم هذه العقوبة. بل إن طول أمد المعاناة بعد تحركهم ضد الطاغية إنما هو بسبب عجز الشعوب عن تنظيف البلاد من آثار الطغيان والظلم والفساد، حيث عاد المنافقون في ثوب جديد هو امتدادٌ للطاغيةِ السابق.
وهذا الزعم ليس جديداً فقد تبنته قريش بقولهم "إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا"، فذمّ القرآن زعمهم وأقام الحجة عليهم بقول الله "أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون".
يقولون: لا تضيع وقتك مع شعب خانع
تنفخ في قربة مخروقة، عبارة أخرى يرددها بعض اليائسين والمحبطين من واقع الشعوب، وقناعتهم أن هذه الشعوب تقف مع الطاغية أكثر مما تقف مع الإصلاح. وهي نفس الحجة التي ذكرها القرآن في قوله تعالى عن أصحاب السبت "وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون". أولئك الذين لم يعجبهم تصرف الذين خرقوا حرمة السبت كانوا آيسين من نصيحتهم لكن لم يكتفوا بيأسهم بل اعترضوا على من ينكر عليهم، فكان الرد أن لا بد من الإعذار مع الله وأن يبقى الأمل "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون".
المهم في هذه القصة هو النتيجة، حيث لم ينجُ من العذاب إلا الذين أنكروا عليهم كما قال تعالى "فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون "، وهذه الآية رسالة ربانية لمن يردد "تنفخ في قربة مخروقة" أنه قد يشمله العذاب إذا لم يبادر بالسعي للتغيير.
قالوا هذا عارضٌ ممطرنا
يرى البعض تدفق النعم فينسى مسؤوليته الشرعية تماماً وينشغل بالاستمتاع بها حلالاً أو حراماً، وهو لا يدرك أن هذا استدراجٌ ربانيّ حتى يحقّ عليه العذاب كما قال تعالى " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ، وقال: "ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون".
آخرون تظهر أمامهم إرهاصات العقوبة مثل تولي ظالم جديد يعد بإصلاحات فيؤمّلون أنفسهم بهذه الإصلاحات بينما الطاغية نفسه جزء من العذاب أو مقدمة لعذاب أشد، مثل ما قال قوم هود عن العذاب القادم أنه سحابة ممطرة ، فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليم". والزعم هذا ليس بعيداً عن قول بعضهم "نحن أحسن من غيرنا" وادعائهم إن الله حمى بلادنا من كل ما أصاب البلاد المجاورة. وفي كلام القرآن العقوبة التي تأتي بعد الاستدراج لا تعطي فرصة للتراجع بل تأتي بغتة بلا تحذير ولا استعداد.
يقولون أنت مقصودٌ بـ " من قال هلك الناس فهو أهلكهم"؟
لا يعلم الغيب إلا الله لكن الظاهر في حال الناس أن أسباب العقوبة الربانية قد توفرت، والتذكير والإنكار والتنبيه والتحذير أصبح فرضاً متعيناً وملحّاً ويجب ترديده في كل حين وفرصة. وهذا التحذير من العقوبة غير مشمول في قوله صلى الله عليه وسلم "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"، فقد جاء في شرح الحديث "اتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس ، واحتقارهم ، وتفضيل نفسه عليهم. قالوا : فأمّا من قال ذلك تَحَزُّناً لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه".
الآيات والأحاديث عن السنن الكونية
وأسْباب العقوبة الربانية
كيف تحدث القرآن عن السنن
”قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين“
”لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين“
”سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا“
”و ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا“
”سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا“
فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا“
”فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون“
نتائج الظلم كما جاء في القرآن
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد
وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين
فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد
وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون
مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين
فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب
ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين
وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين
وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون
ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب
نتائج الظلم كما جاء في السنة
”إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. قال: ثم قرأ: ”وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد“ البخاري ومسلم
وعند أبي داود عن أبي بكر ” : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب
وفي الحديث ”لا قدست أمة لا يعطى الضعيف فيها حقه غير متعتع“
وفي حديث أسامة ”إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد“ البخاري
نتائج عدم إزالة الفساد والظلم
وفي الحديث: ”إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى تكون العامة تستطيع تغير على الخاصة، فإذا لم تغير العامة على الخاصة عذب الله العامة والخاصة“ الحاكم
قال صلى الله عليه وسلم: ”لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث. الصحيحين
”مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا“ البخاري
وعند أبي داود وغيره عن أبي بكر ”ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب“
”فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون“
”فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين“
وقال القرطبي: ”واذا لم تغير –أي المنكرات- وجب على المنكرين لها بقلوبهم هجران البلدة والهرب منها وبهذا قال السلف رضي الله عنهم وروى بن وهب عن مالك أنه قال تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا ولا يستقر فيها“
«مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلاَّ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-» [رواه أحمد، وحسنه الألباني].
نتائج البطر وكفر النعمة
”وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا“
”وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون“
”وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين“
”فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل“
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ»، فَقَالُوا: "أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ"، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا، وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ؛ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» [متفق عليه].
خطر الاستدراج
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون
ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون