top of page

٦ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ

دور العقلية الاستعمارية
في دعم الغرب غير المحدود لإسرائيل

بقلم الدكتور سعد الفقيه

ملاحظات تحتاج إلى تفسير

أثار الموقف الغربي المؤيد لإسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى مجموعة ملاحظات تستدعي التأمل والتفسير. 


الملاحظة الأولى أنه دعم عام اشتمل على تأييد سياسي ومدد عسكري وعون اقتصادي وزخم إعلامي ومؤازرة معنوية ونفسية.


الملاحظة الثانية أنه لم يقتصر على الحكومات بل اشتمل على الفعاليات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والمنصات الإعلامية والمؤسسات المالية والتجارية والأشخاص المؤثرين في الفكر والإعلام، وكأنه متأصل في الضمير الغربي.


الملاحظة الثالثة أنه تبنى الموقف الإسرائيلي بأكاذيبه وتغاضى عن الحقائق الواضحة وضوح الشمس في تجريم إسرائيل. وحتى لو صدر تحفظ على بعض التصرفات المحدودة فإن الموقف الكلي نسخة من الموقف الإسرائيلي. 


الملاحظة الرابعة: إنه اندفاع متهور أدى في بعض الدول إلى مصادمة أسس الديموقراطية الغربية وتجاهل روح القوانين التي التزموا فيها التزاما صارما داخل حدود بلادهم.


الملاحظة الخامسة: أن الموقف بشكله المتطرف كان تلقائيا وفوريّا اتخذته الحكومات ولم تنتظر إقراراً من برلمانات أو فعاليات شعبية، لأنها تعتبره منسجما مع سياسة البلد وغالبية الشعب ولن يصدر اعتراض عليه من مؤسسات الدولة.


الملاحظة السادسة أنه حتى النشطاء المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني يرفضون المساس بما يسمى حق إسرائيل في الوجود، ويكررون احترامهم بما يصفونه حقها في الدفاع عن نفسها، وإنما يطالبون بما يسمى الدولتين أو إيقاف الانتهاكات الإسرائيلية فقط.


ليس اللوبي الصهيوني

واللوبي الصهيوني مهما كان قويا لا يمكن أن يفسر كل تلك الملاحظات، ولا بد أن يكون التفسير مرتبطا بحقائق متأصلة في العقل الجمعي الغربي وطريقة تعامله مع التحديات الكبرى. ولا يمكن فهم تركيبة العقل الجمعي الغربي إلا بفهم التراكمات التاريخية والثقافية التي ساهمت في صياغته وأخرجته بالشكل الذي أنتج هذا الموقف من أحداث فلسطين.


وما أن يبدأ الدارس لتاريخ صياغة العقل الجمعي الغربي حتى يُصدم بمدى توافق الفكر الاستعماري مع تصرفات الغرب تجاه أحداث فلسطين عموما و"طوفان الأقصى" خصوصاً. كما يصدم بحقيقة أخرى وهي أن الدول الأكثر حداثة بالاستعمار أكثر تطرفا في الموقف مع إسرائيل، وأن الدول التي ليس لها تاريخ استعماري مثل أيرلندا ودول شرق أوربا إما معارضة لإسرائيل أو غير مكترثة بالأحداث.


مفهوم الاستعمار وتاريخه

حين انطلق الاستعمار مع بداية عصر الاستكشاف لم يكن هناك  قانون دولي ولا أمم متحدة ولا ميثاق لحقوق الإنسان، وكان القوي يفرض نفسه عسكريا بلا اعتبار لأي معطيات. واحتلت القوى الأوربية الأمريكتين وأجزاء كبيرة من أفريقيا وآسيا ومارست تطهيرا عرقيا وتنكيلا وسُخرة واستعباداً وتعذيباً واحتقاراً وإذلالاً لسكان المناطق التي استعمروها. وكان من بواعث الاستعمار المعروفة، الاستيطان والهيمنة الاقتصادية ونهب مقدرات المستعمرات وفرض الدين واللغة والثقافة. 


وبعد نشوء الدولة الحديثة ثم الثورة الفرنسية والحرب العالمية الأولى تغير الاستعمار إلى احتلال مقنّن، وتحكمت القوى الاستعمارية بالأعراف العالمية والقوانين الدولية، وبدأت بإنشاء المؤسسات الدولية مثل عصبة الأمم، حتى تضفي صفة "أخلاقية" على الممارسات الاستعمارية. ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية فَخلطت الأوراق وأُنهكت القوى الاستعمارية وتفوقت أمريكا فتغيرت طبيعة الاستعمار رغم أنف المستعمر. 


وفي موازاة ذلك ظهرت القوى العالمية المناهضة لـ"الإمبريالية" فاضطر المد الاستعماري لمواكبة هذا التطور بتكييف المؤسسات الدولية لإبقاء المظلة القانونية الضامنة للفكر الاستعماري من خلال مجلس الأمن وغيرها من المؤسسات الدولية. وبذلك انحسر الاستعمار الظاهري وبقي في جوهره من خلال السيطرة على  الحكام في المستعمرات السابقة.


رغم الانحسار الظاهري للاستعمار في كل دول العالم بقي نموذج واحد في أكمل صُور الاستعمار وهو الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. هذا الاستعمار ليس مشروعا يهوديا بل هو مشروع استيطاني غربي لا يختلف عن مشاريع الاستيطان في الأمريكتين وجنوب أفريقيا واستراليا. والمستوطنون من اليهود أعجز وأضعف من أن يصنعوا هذا الاستيطان بأنفسهم وأعجَز وأضعف من أن يحافظوا عليه، ولذلك فهو مشروع استعماري غربي في صورته الاستيطانية القصوى بامتياز. 


جوهر الفكر الاستعماري لم يتغير

في تحليل علمي لردود الفعل الغربية الأخيرة ضد "طوفان الأقصى" يتبين أنها منطلقة من مجموعة مرتكزات تعيد إلى الذهن نفس مبادئ ومرتكزات العقلية الاستعمارية الأولى لكن بلغة حديثة وتعبير مغلّفٌ زعماً باحترام القوانين الدولية وحقوق الإنسان. هذه المرتكزات يمكن تتبعها في حدود الأركان التالية:


المحتل لا يحتاج أن يبرر احتلاله

احتل الأوربيون الأمريكتين واستراليا ونيوزيلندا وأجزاء كبيرة من أفريقيا وآسيا لدوافع دينية واقتصادية و استيطانية ولم يكونوا بحاجة أن يقنعوا المحتل أو أي جهة أخرى بأي مبررات قانونية أو أخلاقية. وبعد ذلك مارسوا ما يسمى بالتطهير العرقي وأحلوا الجنس الأوربي محلهم واعتبروا ذلك بطولة وإنجازاً، حتى أن ادبياتهم تتغنى ببطولة وعظمة المستعمرين الأوائل.


ونفس المنهج يتكرر في قصة فلسطين وإسرائيل، فَحين احتلت بريطانيا فلسطين لم تبحث عن مبرر، وحين أعلنت وعد بلفور كان المبرر أقبح من الفعل، وحين أنجزت المهمة بإعلان دولة إسرائيل نسقت مع الصهاينة على أنه استقلال من بريطانيا. 


وبعد أن توسعت إسرائيل إلى حدود ٦٧ كان الغرب كله معها، ثم بقيت في هذه المناطق ولم يعترض الغرب إلا اعتراضا خجولا باردا على جانب واحد من الاحتلال وهو المستوطنات، وحتى هذا جاء بعد اشتداد المقاومة. بل إن عددا من الدول اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل مع أن القدس بمقاييسهم جزء من أرض محتلة. 


اذا تمرد الشعب على المحتل فهو إرهابي

كان الاستعمار القديم يقمع الشعوب التي احتلها قمعا عنيفا دون أن يبحث عن وصف لتمردها، لأنه لم يوجد وقتها ما يسمى بالضمير العالمي أو أصوات تدعو للعدل مع بني البشر. وبعد الثورة الفرنسية والأمريكية والحديث عن الحرية والمساواة وبعد أن خُدم ذلك بوسائل النشر ابتداء بالطباعة وانتهاء بوسائل التواصل، كان لا بد من إضفاء تجريم على هذا التمرد حتى يبقى الاحتلال مبررا.  


كل الدول الاستعمارية اعتبرت من يتمرد على احتلالها إرهابيا، والسرديات الإعلامية الموثقة في الاحتلالات المشهورة دائما تستخدم هذه اللغة، وهذا ما استخدمه الاستعمار الفرنسي في الجزائر وشمال أفريقيا، والاستعمار الإيطالي في ليبيا والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والاستعمار البريطاني في مصر وجنوب أفريقيا وفلسطين. 


و ما قامت به إسرائيل من تصنيف كل أطياف المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقها حركات إرهابية هو امتداد طبيعي لهذا الفكر الاستعماري. هذا التصنيف ليس محصورا على الحركات ذات التوجه الإسلامي فقد شمل الحركات اليسارية والوطنية والمبرر الوحيد لإضفاء صفة الإرهاب عليه هو تمرده على الاحتلال، ولم تنزع صفة الإرهاب عن بعض هذه الحركات إلا بعد أن صارت في خدمة الاحتلال.


ارتكاب المجازر والتجويع والحصار دفاع عن النفس

حين انطلق الاستعمار القديم كان المستعمر يمارس العنف ضد الشعوب حتى لو لم تتمرد، سواء لأجل التطهير العرقي أو عقوبة لمن يقصر في واجب الاستعباد والسخرة، بل وصل الحال في أستراليا أن يتحول قتل السكان الأصليين إلى متعة رياضية شبيهة بمتعة قنص الحيوانات. و نماذج العنف التي استخدمت كانت غاية في السادية والقسوة حتى أن بعض تفاصيله لا يمكن استماعها من قبل أصحاب القلوب الضعيفة.  وفي ممارسات البعثات الإسبانية الأولى في الأمريكتين ونقل العبيد من أفريقيا والاستعمار البلجيكي للكونغو ما يبكي القلوب القاسية. ولم تكن الدول الاستعمارية تحمل هم تبرير استخدام هذا العنف أمام الدول الأخرى، لأن هناك توافق بين كل الدول القوية على مشروعية مثل هذه الممارسات. 


في العهود المتأخرة لم يعد بالإمكان ممارسة العنف دون مبرر، فكان لا بد من اختراع ذريعة قابلة للتسويق الأخلاقي وتبرير أقسى درجات العنف، والذريعة السهلة والقابلة للتسويق التي لجأوا إليها هي الدفاع عن النفس. وما دام للمستعمر الحق أن يسمي الكفاح من أجل الحرية إرهابا فله كامل الحق أن يسمي قمع هذا التمرد دفاعا عن النفس. 


ووسائل قمع التمرد ليس لها حد في قسوتها، فهي تشتمل على الحصار وارتكاب المجازر كما فعلت فرنسا في الجزائر وكما فعلت بريطانيا في الهند وجنوب أفريقيا وكما فعلت أمريكا في العراق وأفغانستان. ولا يستحي هؤلاء المحتلون أن يعتبروا كل أنواع القسوة بما فيها قتل الأطفال المتعمد دفاعا عن النفس كما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية في تصريحها الشهير عن قتل أكثر من نصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار. 


ومن هنا جاء وقوف الغرب الاستعماري مع إسرائيل في حصار غزة وتَجويعها وارتكاب المجازر والقتل المستمر للأطفال والمدنيين. والغرب يكرر نفس عبارة إسرائيل بأن هذه الممارسات دفاع مشروع عن النفس، وأقصى ما يصل إليه من اعتراض هو تحفظ خجول على المبالغة في الانتقام. 


رواية القوة المحتلة هي المصدقة

قبل أن تنتشر وسائل الإعلام والتواصل كانت القوى المحتلة تحتكر وسائل الإعلام البدائية ولا يوجد صوت بديل أو منافس. ولذلك لم تكن هذه القوى بحاجة لإثبات مصداقيتها لأن روايتها مصدقة بالضرورة بسبب غياب الرواية البديلة. و بعد انتشار وسائل الإعلام والتواصل بين الشعوب كان يفترض أن الروايات البديلة تنافس رواية القوة المحتلة، لكن الذي حصل أن كل الزخم السياسي والعسكري والشعبي بقي معتمدا على رواية المحتل بلا اعتبار للرواية البديلة. 


وقد تمتّعت إسرائيل بهذه الميزة استمتاعا كاملا، فمنذ إنشائها سيطر على الإعلام الغربي الرواية الإسرائيلية بشأن كل ما يخص إسرائيل، ولاقى هذا أذنا صاغية ليس عند الحكومات فقط بل في معظم مؤسسات المجتمع الغربي. وحتى في حالات الكذب الصريح الذي لا يمكن تسويقه تبنت الحكومات الغربية الموقف الإسرائيلي، ولا تستحي دولة تؤمن زعما باحترام الحقائق والقانون مثل أمريكا أن تتبنى على لسان رئيسها رواية بكذب مفضوح  مثل مزاعم إسرائيل عن قصف المستشفى المعمداني.


لا اعتذار بعد انكشاف الحقائق 

رغم ظهور تفاصيل مروعة عن مآسي الاحتلال في التاريخ لم تعتذر أي من الدول المحتلة عن الفظائع التي ارتكبتها. لم تعتذر فرنسا عن ملايين قتلوا في الجزائر ولا عن حرق الناس أحياء ولا طمرهم مع حيواناتهم في الكهوف، ولم تعتذر بريطانيا عن تهجير الفلسطينيين وتمكين الصهاينة بل تفتخر بذلك، ولم تعتذر إيطاليا عن جرائمها في ليبيا، ولم تعتذر أمريكا عن ملايين قتلوا في فيتنام وأفغانستان والعراق ولا عن حرق الأطفال بالقنابل المحرمة دوليا ولا القضاء على ملايين الفدادين من المناطق الزراعية. وقبل ذلك لم يعتذر الأوربيون عن القضاء على الملايين من سكان الأمريكتين الأصليين ولا عن شحن ملايين الأفارقة في ظروف لا تليق حتى بالحيوانات. 


والآن رغم انكشاف حقائق المذابح في فلسطين لم تعتذر إسرائيل عن أكثر من ستين مجزرة منذ دير ياسين إلى مجزرة المستشفى المعمداني. ولم تعتذر اسرائيل عن قتل آلاف الأطفال ولا اعتقال مئات الآلاف من الفلسطينيين على مر السنين ولم تعتذر عن ممارسات تصنف عنصرية بامتياز طبقا للقانون الدولي. لكن الأهم من ذلك هو أن الغرب المؤيد لإسرائيل لم يطالبها باعتذار مع أن الإعلام الغربي نفسه يبث بعض الأحيان تحقيقاته الخاصة في كشف جرائم إسرائيل بتأييد من الغرب. 


وفي الأحيان القليلة التي لا تجد فيها إسرائيل مفراً من الاعتراف بسبب قوة الدليل الذي تبنته جهة عالمية، تؤجل الاعتراف إلى أن تبرد المشاعر ثم تكتفي بالإقرار بحصول خطأ غير مقصود ثم لا تحمّل جيشها أو مخابراتها أي مسؤولية. وكلما صدر من إسرائيل مثل هذا الاعتراف الأعرج لا يتأخر الغرب في الاحتفاء بهذا الموقف "النبيل" من الكيان الصهيوني. قارن ذلك بإجبار عدة أجيال في ألمانيا على دفع غرامات سنوية لإسرائيل تعويضا لها عما لاقاه اليهود تحت حكم هتلر. 


ما يسمى بالقانون الدولي لا يفسر ولا يحكم به إلا بما تراه القوى الاستعمارية

لم يكن هناك قانون دولي ولا مؤسسات دولية في بداية عهود الاستعمار ولم تكن القوى الاستعمارية تكترث بأي قيم أو قوانين سواء على مستوى قرار الدولة أو على مستوى ممارسات أفراد جيوشها. بدأ مفهوم مراعاة القوانين الدولية منذ نشأة الدولة الحديثة في منتصف القرن السابع عشر، لكن هذه المراعاة اقتصرت على التعامل بين  القوى الأوربية ولم تكترث هذه القوى بأي قانون في التعامل مع المستعمرات إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى. 


بعد الحرب العالمية الأولى تشكلت عصبة الأمم وصار لها اختصاص عالمي فاضطرت قوى الاستعمار أن تتعامل مع ما يسمى القانون الدولي. لكن لأنها هي التي أسست عصبة الأمم وهي التي صاغت القانون الدولي فليس غريبا أن تكون هي التي تفسره وتنزله على الواقع. ويجري نفس المبدأ على المؤسسات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة مجلس الأمن. 


لكن مشاركة قوى مناهضة للامبريالية مثل الاتحاد السوفيتي والصين في مجلس الأمن خلق مشكلة للغرب الاستعماري فتمكن من الالتفاف على المشكلة بما يسمى حق الفيتو. ولهذا فإن عشرات القرارات التي كان ينبغي أن تصدر ضد إسرائيل تعطلت بسبب حق الفيتو الذي استخدمته أمريكا أو غيرها من دول الغرب. هذا فضلا عن أن كثيرا مما يعتبر جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل أو شخصيات محسوبة عليها لم يتمكن أحد من التقدم خطوة واحدة في اتخاذ إجراء ضدها بسبب تحكم القوى الاستعمارية بآليات المؤسسات والمحاكم الدولية.


لماذا تمثل إسرائيل امتدادا طبيعيا للفكر الاستعماري؟ 

يتضح من هذا الاستعراض أن العقلية والنفسية الاستعمارية في الغرب تجلّت في تنزيل فكرهم الاستعماري على إسرائيل بكل أركانه، فما الذي في إسرائيل الذي جعل الغرب ينظر لإسرائيل نظرة الذات؟


السبب الأول هو أن إسرائيل مشروع استعماري استيطاني وهو أقصى درجات الاستعمار مما جعله يحيي في العقلية الأوربية حنين الماضي المتمثل في استيطانها للأمريكتين واستراليا وجنوب أفريقيا. 


السبب الثاني أن ثقافة الكيان الصهيوني أوربية استعمارية يرى فيها الغرب الاستعماري امتدادا لنفسه، فضلا عن أن غالب سكان إسرائيل من أصول أوربية.


السبب الثالث أن مبرر إنشاء إسرائيل لا يزال قائما وهو أن تقف حائلا كخط دفاع أول لحماية أوروبا أمام أي نهضة عربية إسلامية، كما قال ذلك بالنص رئيس وزراء أسبانيا الأسبق ماريا أزنار. 


هل يستمر هذا الدعم "الطبيعي" لإسرائيل؟

يحدد مصير المشاريع الاستعمارية العامل الأمني والاقتصادي على دول الاستعمار، وهو ما ينتهي بها إلى ثلاثة احتمالات: إما الاستيطان والحلول محل الشعب الأصلي كما في الأمريكتين واستراليا وغيرها، أو في الانسحاب العسكري مع بقاء النفوذ الكامل من خلال عملاء كما في كثير من الدول العربية، أو في الانسحاب مطرودين كما في الهند وجنوب إفريقيا وفيتنام وأفغانستان، فما هو مصير إسرائيل؟


ليس لإسرائيل مستقبل في الاستيطان الكامل لأسباب كثيرة، ولم تعد نافعة للغرب اقتصاديا بل تحولت إلى عبء على الغرب وصار يدفع لها أكثر مما يستفيد منها، وأخيرا فقد صارت سببا لخطر عربي وإسلامي على الغرب بدلا من أن تشكل خط دفاع ضده. وقد أثبتت حرب غزة أن إسرائيل مهزومة من غزة المحاصرة فكيف تحمي الغرب لو تحرك العرب والمسلمون ضد الغرب؟


بهذه المعطيات يفترض أن الغرب يتخلى عن إسرائيل بل ربما يقف مع العرب ضدها حتى يحمي نفسه، لكن بقايا العقلية الاستعمارية المتجذرة في نفوس الغربيين سوف تحاول مقاومة هذا الاستنتاج المنطقي ولن ينحسر الدعم إلا بشكل بطيء أو بصدمة عسكرية مفاجئة لم تخطر في بال الغربيين.

bottom of page