top of page

٣ جمادى الآخرة ١٤٤٥ هـ

رسالة هامة لمن يُصرّ على حمل السلاح

بقلم الدكتور سعد الفقيه

التجربة السابقة نفعت الأنظمة

التجاوزات التي صدرت عمّن جربوا استخدام العنف سابقا أدت إلى تمكين السلطات من محاصرتهم، فضلا عن خسارتِهم الحاضنة الاجتماعية التي كان يفترض أنهم تحركوا من أجل حمايتها وإنقاذها من الظالم المستبد. كانت حصيلة هذه التجربة عزوف الكثير عن الالتحاق بهذه الجماعات ثم تحييدها وشلها. 


السلطة هي التي تُحرّض على العنف

الجديد في الأمر الآن هو أن السلطة الحالية تمارس أسلوبين إذا اجتمعا يكاد يكون من الحتمي اندفاع الشباب لاستخدام العنف:


الأول: استفزاز كل شرائح المجتمع في دينهم وكرامتهم وأخلاقهم وقيمهم وأعراضهم واعتقال أشرافهم وساداتهم وهدم بيوتهم وتشريدهم. وبالغت السلطة في هذا الاستفزاز حتى وصل حد سب الله والأنبياء من قبل مغنية عارية في وسط الرياض بحماية ورغبة السلطة.


الثاني: إغلاق السبل أمام كل وسائل التعبير حتى لو كانت مساهمة بسيطة في التوعية العامة وليس فيها ما يصنف معارضة للنظام. ومن نماذج ذلك الحكم على من اشتكى من مجاورة منزله لمرقص بأربع سنوات سجن والحكم على "سنابر" يتحدث بمواعظ عادية بثمانِ عشرة سنة. وللرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي في ذلك مقولة مشهورة: 

Those who make peaceful revolution impossible will make violent revolution inevitable

"أولئك الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة إنما يجعلون الثورة العنيفة حتمية"


المجتمع تحوّل إلى قبول استخدام القوة

والمتابع للجدل الدائر في المجتمع حاليا يلاحظ تغيرا واضحا حيث تحوّل الناس من رفض إلى قبول التوجه للعنف في التعامل مع السلطات. ورغم ما نقوم به نحن وغيرنا من جهد لامتصاص الغضب عن طريق النشاطات السلمية إلا أن شريحة ليست بالهينة ستبقى غير مقتنعة بالطرح السلمي، وتصر على استخدام العنف، مهما بذلنا نحن وغيرنا من الأساليب في حرفهم عن ذلك.  هذه الشريحة لن تلتفت لمن ينادي بالالتزام بالطرق السلمية، ولذلك لا بد من التعامل معها على أساس حتمية لُجوئها للعنف وتقليل الضرر الذي يترتب على ذلك. 


كيف يمكن تجنب الأخطاء السابقة؟

حتى لا تتكرر التجاوزات التي صدرت عن التجارب السابقة، ولا تؤدي إلى ما أدت إليه من تقوية السلطة والتضييق على الناس بحجة محاربة الإرهاب، فإنه لا بد من توجيه مجموعة من النصائح لهذه الشريحة. هذه النصائح والتوجيهات تشمل الجوانب العملية وتشمل كذلك خطابها الموجّه واللغة الإعلامية والبيانات والتعليقات.


أولا: وضوح الرؤية والهدف

يجب أن يكون لدى من يقرر استخدام العنف رؤية واضحة مبنية على فهم صحيح للواقع  وهدف نهائي محدد قابل للتنفيذ وقابل للقياس. أما إذا كان التحرك مبنيا على اندفاع شبابي وتهور مراهقين بلا رؤية ولا هدف ولا تقدير للعواقب ولا معرفة بالواقع فسوف تكون النتيجة انقلاب الأمر ضده وضَرر كبير على غيره. 


بعض المتحمّسين يعتقد أنه ما دام قد احتسب عمله جهادا في سبيل الله فالتَوفيق حتما حليفه ولا داع لكل هذه التفاصيل. وهذا المنطق مرفوض شرعا، لأنه لو كان صحيحا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس به، فهو رغم كل ما آتاه الله من توفيق وبركة، فقد تحرك من خلال فهم الواقع وتَعامل مع أهداف واقعية وقابلة للقياس وتدرج فيها عليه الصلاة والسلام حتى وصل إلى ما وصل إليه. 


ثانيا: إخلاص النية في القلب

كثير من المتحمسين لاستخدام القوة يلجأون لها بدافع الانتقام والغضب بدلا من استحضار النية الخالصة لله والانضباط الكامل بالمنهج النبوي في التعامل مع هذه القضايا المعقدة. وأي عمل لم تخلص نيته لله لن يكون مقبولاً وربما ينعكس على صاحبه سيئات بدلا من أن يكون ذروة سنام الإسلام. 


لكن قد يمكن الجمع بين إخلاص النية والغضب وشفاء الصدر، بشرط أن يكون الغضب ذاته من أجل الله، وردا على انتهاك حرماته. وبنفس المعنى قد يمكن الجمع بين إخلاص النية وشفاء الصدور إذا كان ردّاً على ما يصيب المسلمين من ظلم وطغيان.


ثالثا: ضد الظلم والطغيان في الخطاب الخارجي

السعي لرفع الظلم وإزالة الفساد وإنهاء الطغيان وإطلاق السجناء هو من الجهاد في سبيل الله، وفي هذا المعنى قال الله تعالى: (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا )). 


طال أمد الحكام الظلمة وتمكنوا من إبعاد جزء كبير من الشعوب عن لغة الدين والمصطلحات الدينية، ولذلك قد لا يكون من الحكمة مخاطبة الشعوب الحالية بنفس الخطاب الموجه لشعبٍ متدين. وعلى الساعين للتغيير، سواء بالسلم أو بالقوة، أن يَستحضروا هذه الحقيقة ويُلطّفوا خطابهم حتى يصل للناس بالطريقة التي يقتنعون بها.


وما دام السعي لرفع الظلم وإزالة الفساد وإنهاء الطغيان وإطلاق السجناء هو ذاته من الجهاد في سبيل الله، فمن الحكمة أن تكون هذه المعاني هي السائدة في الخطاب. وهذا يحقق هدفين، أولا البقاء داخل إطار النهج الإسلامي، والثاني كسب قلوب وعقول الشعب ومن ثم تقوية الحاضنة الشعبية. 


رابعا: تجاهلوا هذه الشريحة

في الدول التي تُحكم بنظام شمولي يكون القرار كله بيد شخص واحد أو فريق صغير، ومهما بلغت القوى الأخرى من التأثير فإنها خادمة لهذا الشخص أو ذلك الفريق. في مثل هذه الأنظمة ليس من المصلحة توسيع دائرة الأعداء، وينبغي أن يكون الخطاب ضد النظام فقط وضد رؤوس النظام تحديدا. نعم هناك فئات كثيرة تخدم النظام ومصيرها مرتبط بالنظام لكن ليس من المصلحة استِعدائهم بالخطاب، حتى لو تم استهدافهم عمليا. 


وهذا لا يعني استمالتهم ولا التسامح معهم، لأنهم لا يستحقون ذلك، لكن المقصود هو تجاهلهم وتحاشي إعطاء الانطباع بمواجهة شاملة مع قوى السلطة المختلفة. ليس الهدف من التجاهل تحييدهم لأنهم ربطوا مصيرهم مع النظام وبهذا لن يُحيّدوا، لكن الغرض منع الانطباع العام عند الشعب بأن الخصم جبهة عريضة. وكلما فهم الشعب أن الخصم دائرة صغيرة كلما تَفَهّم اللجوء للقوة. 


خامسا: استميلوا هذه الشريحة

جهات مسلحة أخرى لها بعض الدور في حماية النظام، لكن مصيرها ليس مربوطا به، وليس لديها ولاء حقيقي للنظام. الجيش بقواته البرية والبحرية والجوية والحرس الوطني والشرطة العادية إنما هم امتداد للشعب، وكثير منهم ضحايا النظام في ظلمه وفساده واستبداده. 


هذه الفئات ينبغي أن يكون الخطاب الموجه لهم مبنيا على استمالتهم وتشجيعهم على التمرد على النظام والوقوف مع الشعب، ويجب أن يمتلئ بالحديث عن معاناتهم ومعاناة أهلهم وأقاربهم من عامة الشعب. وحتى لو لم يتسبب مثل هذا الخطاب بتمرّدهم، فربما يكون مانعا لهم من المساهمة في حماية النظام أو الحماس في القتال من أجله.


سادسا: التكفير، نعم ولا! 

لا شك أن كثيرا من الأنظمة الحالية تجاوزت الكفر البواح إلى الحرب على الدين، لكن هناك فرق بين القناعة بموقف ما من الحكام وبين ما يقال في الخطاب المعلن. والسبب هو أن الشعوب لا تحب لغة التكفير، وتفترض أنها مرتبطة بسفك الدماء والفوضى، وبهذا تكون لغة التكفير ذخيرة للسلطات حتى لو كانت السلطات تستحق التكفير بامتياز. 


وهذا لا يعني تلطيف الخطاب تجاه النظام، ولا يعني تبرئته من الكفر، بل يمكن وصفه بكل أوصاف الظلم والفساد والاستبداد، وحتى الأوصاف التي يفهم منها الكفر، لكن دون التصريح بهذه اللفظة لما لها من وقع سلبي على الناس. 


سابعا: الهياط مرفوض

تحب الشعوب الخطاب المليء بالثقة بالنفس والمُفعم بالأمل، لكن لا يعجبها المبالغة في استعراض القوة وتضخيم القدرات والتهوين من قدرة الخصوم. وحتى لو دغدغت عبارات "الهياط" جزءا من المجتمع فإن هذا التأثير عاجلا ما ينطفئ ويَنقلب شكّاً وارتياباً ويترك أثرا سلبياً وفقداناً للثقة. 


ولهذا فمن الحكمة أن تكون البيانات متصفة بالعزّة دون كبر، والثقة دون غرور، وفي نفس الوقت متصفة بالتواضع دون ذل، والبساطة دون استكانة. وإضافة لذلك لا بد من تجنّب إطلاق الوعود بإنجازات غير ممكنة أو مضمونة، وتفادي الإسراف في وصف النتائج. 


 ونفس المنهج يُلزم بالاعتراف بقوة الخصم والإقرار بحجم قدراته. وتضخيم قوة الخصم مفيد نفسيا في مواجهته لأنه يعني أن أي انتصار عليه حتى لو كان تافها سيكون إنجازا، وأي فشل أو خسارة أو هزيمة سيكون مقبولا ما دام بتلك القدرات.


ثامنا: لا تريدون الدم

لا شك أن الأنظمة الحاكمة ومعها النظام الدولي تمارس نفاقا قبيحا، حيث تطلق اليد للسلطات أن تسفك ما تشاء من الدماء ولا تسمح لحركات التحرر أن تمارس أدنى درجات القوة فضلا عن سفك الدماء. وقد نجحت الحكومات في العالم سواء في إعلامها المحلي أو من مجموع الطرح العالمي في تقبيح صورة الساعين للحرية والكرامة باعتبارهم محبين لسفك الدم وإزهاق الأرواح البريئة، إلى غير ذلك من محاولات تشويه الصورة. 


ولهذا فلا بد لمن يقرر استخدام القوة أن يحرص في خطاباته في التأكيد على أمرين، 

الأول: أن اللجوء للقوة لم يحصل إلا اضطراراً بعد استنفاذ كل الطرق السلمية .

الثاني: أن أي دم أريق كان لا مفر من تفاديه وقد بذلت كل الأسباب في عدم اللجوء إليه. 


هناك من يظن أن بث مشاهد العنف والدم يرهب الأعداء،  لكن التجربة أثبتت أن كل هذه المشاهد أتت بنتيجة عكسية، وجيّشت الشعوب ضد هذه التيارات وأفقدتها الحاضنة الشعبية. وحتى إسرائيل بآلتها الإعلامية الهائلة والدعم العالمي لم تستطع تبرير سفك الدماء وقتل الأبرياء، وخسرت خسارة ضخمة بسبب ذلك. 


تاسعا: تبرأوا 

إذا اقتنع تيار ما بالبنود السابقة فإن عليه أن يلزم كل كوادره بهذه البنود عملاً وقولاً. لكن قد يتحمس شخص من خارج هذا التيار ويخالف هذه البنود ويتسبب بعنف أو سفك دم أو أي نوع من الضرر المرفوض شعبيا، وهنا لا بد من المبادرة بالبراءة من فعله والتأكيد بكل وضوح أن هذا تجاوز مرفوض ولا يمكن إقراره وأن هذا الشخص ليس محسوبا على التيار.


كانت بعض الجماعات سابقا قد بالغت هي ذاتها في التجاوزات، ثم لم تكتف بذلك بل صارت تتبنى تجاوزات صدرت من جهات أخرى لم تعلم عنها إلا من خلال البيانات والإصدارات المصورة. ويبدو أن هذه الجماعات وقعت في فخ مخابراتي حيث تبين أن هذه الإصدارات إنما كانت عمليات استخبارية راهنت الجهات الحكومية أن هذه الجماعات سوف تتبناها. وقد تسبب هذا النهج في تمكين الأنظمة من حصارها والقضاء عليها بتعاون كامل من الشعوب.


عاشرا: اعتذروا 

ثبت في الحديث أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أخطأ في اجتهاده وقتل بعض الأسرى في غزوة من الغزوات ظناً منه أنهم يستحقون القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" كررها مرتين، ثم دفع النبي صلى الله عليه وسلم دية عن كل قتيل. 


هذا يعني أنه إذا صدر خطأ غير مقصود أيا كان مستواه، سواء من مسؤول في هذا التيار أو شخص محسوب عليه فلا بد من المبادرة للاعتذار الواضح، ثم تعويض من تعرض للأذى سواء كان دية أو أي نوع آخر من أنواع التعويض.


أمنية ورجاء

هذه النصائح اجتهاد ناتج عن دراسة للسيرة النبوية وتتبع للمقاصد الشرعية، وكذلك من مراجعة تجارب جماعات جهادية حديثة وتقصي الأسباب التي تخلت لتخلي الناس عنها بعد أن كانت شعبيتها عارمة. وكل المأمول أن أي جماعة أو تيار يقرر اللجوء للقوة مستقبلا يأخذ بهذه النصائح حتى لا ينقلب جهدهم ضدهم ولا يتسبب في ضرر على غيرهم. 



bottom of page