top of page

١٤ يونيو ٢٠٢٥

نحسبه في منزلة سيد الشهداء
لماذا نعتبر قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ بلاد الحرمين

بقلم الدكتور سعد الفقيه

أما تركي -تقبله الله- فنَحسبه في منازل سيد الشهداء "رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"، ونحن حزينون على فراقه وخسارة الأمة له، لكن عزائنا أن رسولنا عليه الصلاة والسلام قد وعد من فعل مثل فِعلِه بمنزلة تساوي منزلة حمزة رضي الله عنه. وهذا قدرنا لا مفر منه، فلا بد من مضحين ثابتين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى لو سجنهم الظلمة أو قتلوهم.


غياب تركي مصيبة فهو صاحب قلم سيال وكلمة مؤثرة ورسالة تصل العقول وتخترق القلوب وعبارات ممتعة للمصلحين موجعة للظالمين، لكن المصيبة الأخطر ليست في خسارته هو كناشط أو كاتب، بل المصيبة في آلية القتل وطريقة الإعلان التي لها ما بعدها.


إقدام ابن سلمان على قتل تركي الجاسر نقطة تحول في تاريخ النظام السعودي، حيث لم يسبق أن قام النظام السعودي باستخدام الجهاز القضائي والمحاكم لتبرير قتل ناشط سلمي معروف بسلميّته مهما كانت خصومته مع السلطة.


نعم أقدم النظام على قتل نشطاء في السجون واغتال آخرين خارج البلاد دون حكم قضائي، ونعم استخدم المحاكم لتبرير قتل من استخدموا القوة أو شبهة استخدام القوة أو من له علاقة بجهات مسلحة، لكن أن يستخدم المحاكم والقضاء في قتل ناشط سلمي فهذا -على حد علمنا- حدث جديد ينذر بما بعده.


بهذه الملاحظة فإن قتل تركي الجاسر جريمة أعظم من قتل خاشقجي في حساب المخاطر المقبلة، فقد قُتل خاشقجي غيلة على يد عملاء السلطة مباشرة بلا قضاء ولا محاكم، وتكتمت السلطة على اغتياله، وأصر ابن سلمان مدة طويلة على نفي مسؤوليته عن قتله، ثم حين تلبس بالجريمة مُرغما حمّلها بعض كلابه القذرين.


أما في حالة تركي الجاسر فقد مرّ قرار القتل بكل مراحل القضاء إلى المحكمة العليا ثم أعلن تنفيذ القتل بصفة رسمية بفخر وتباهي وكأنه انتصار في حرب وهزيمة لعدوّ خطير.


ليس جديداً أن المحاكم السعودية كلها بيد النظام وأن مهمتها هي تحويل أوامر المستبد إلى أحكام قضائية ملبّسة بلباس شرعي، وليس جديداً أن هذه المحاكم سبق أن كُلفت بإصدار أحكام قتل على أبرياء ممن كان هناك شبهة تشبث بها النظام في تبرير القتل.


ولم تكن هذه المحاكم لتَرفض لو طلب منها الحكم بالقتل على النشطاء السلميين، ولهذا فإن عدم استخدام هذه المحاكم سابقاً لقتل النشطاء السلميين لم يكن رفضا منها بل هو قرار من السلطة نفسها، ربما إدراكاً من السلطة أن مثل هذه التمثيليات لا تنطلي على الناس، وأن القتل خارج القانون بـ "وفاة في السجن" أو اغتيال داخل أو خارج البلد أسهل في تحقيق المراد وأقل ضرراً.


هذه المرة قرر ابن سلمان أن يستخدم المحاكم لقتل ناشط سلمي معروف في الداخل والخارج بسلميّتهِ، ويعلم الجميع أن سلاحه الوحيد هو الكلمة، وأن مشكلة السلطة معه هي في تغريداته ومقالاته فقط. ثم قرر ابن سلمان أن يستعجل بإعلان تنفيذ القتل بعبارات مليئة بالغَطرسة والعنجهية وتخويف مقصود لكل النشطاء السلميين أن الدور قادم عليهم.


وإذا لم يتسبب هذا الحدث في ردة فعل تكافيء مستوى الجريمة فسيأتي الدور على فلان وفلان من المشايخ والمثقفين والنشطاء الذين يكرههم ابن سلمان ويتضايق من شعبيتهم. وسيكون قتل تركي الجاسر بذلك تهيئة لما بعده من استخدام القضاة الخونة والمحاكمات المسرحية لتبرير قتل ثلة من صفوة هذه الأمة في تصفيات جماعية ولات ساعة مندم.


تفاعل الناس في الداخل والخارج مع قتل خاشقجي بما يستحق من تفاعل، ونجحت الحملة في إحراج النظام السعودي وردعه عن جرائم أخرى كان ينوي المضي فيها. وما دامت جريمة قتل تركي الجاسر أعظم من قتل خاشقجي وتداعياتها أخطر بكثير فلا بد أن تكون الحملة أقوى وأوسع، بل لا بد أن تصل مستوى الردع الحقيقي بجهد ملموس يحمي الأمة من اندفاعات هذا المتهور.

  • Whatsapp
  • Twitter

عبدالله الغامدي

د. سعد الفقيه

  • Whatsapp
  • Facebook
  • Twitter
  • Snapchat

للإتصال بنا عن طريق البريد الإلكتروني:

لدعم نشاط الحركة الإعلامي:

Digital-Patreon-Wordmark_FieryCoral.png
bottom of page