top of page

٢٩ ربيع الأول ١٤٤٥ هـ

نحن والغرب وإسرائيل
ما هو مفتاح التغيير

بقلم الدكتور سعد الفقيه

دعم إسرائيل بلا حدود هو الأصل

التأييد الغربي غير المحدود لإسرائيل بعد طوفان الأقصى امتداد طبيعي لموقف عمره أكثر من قرن من الزمان. والذين صُدِموا من هذا التأييد واضح أنهم بعيدون عن فهم طبيعة علاقة الغرب مع إسرائيل والصهاينة.


في سنة ٢٠١٧ بعد مرور مئة سنة على وعد بلفور أعلنت بريطانيا على لسان رئيسة وزرائها آنذاك (تيريزا ماي) أن بريطانيا فخورة أشد الفخر بهذا الوعد الذي صنع دولة إسرائيل. ومنذ إعلان دولة إسرائيل في ١٩٤٨ (على مدى خمس وسبعين سنة) وقفت كل الدول الغربية مع إسرائيل في كل خروقات القانون الدولي واستخدمت أمريكا الفيتو أكثر من ٤٠ مرة لصالح إسرائيل.


بلغت المساعدات الأمريكية المالية لإسرائيل منذ إنشائها مئات المليارات من الدولارات مع أن إسرائيل ليست دولة فقيرة، وتستحوذ على حوالي نصف المساعدات العالمية لأمريكا وتحصل عليها دفعة واحدة في أول العام خلافا للدول الأخرى. أما المساعدات العسكرية فلا يكاد منتج جديد من الطائرات والآليات والأسلحة المتقدمة يدخل في الخدمة إلا تكون إسرائيل أول من يستخدمه. هذا فضلا عن أن الجيش الأمريكي كله في خدمة إسرائيل في أي لحظة تحتاجه. وبالمناسبة فإن كل هذه الأسلحة تُقدم مجانا لِإسرائيل مع أن قيمتها بتريليونات الدولارات.


تجريم أعداء الغرب وتبرئة حلفائه هو الأصل

الحملة الضخمة الكاذبة في اتهام المقاومين الفلسطينيين بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء لم تصدر عن جهل أو تلاعب بعض الصحفيين، بل ليست خدعة من مؤسسة صهيونية ضخمة شاطرة في نشر الأكاذيب. هذه الحملة نهج أساسي في لغة الغرب في تجريم مخالفيه وتبرير جرائمه وتبرئة نفسه وحلفائه.


حين تبنت أمريكا وبريطانيا الحملة في إثبات أسلحة الدمار الشامل في العراق لم تكن مخدوعة بحيلة من شركات خاصة أو أفراد كاذبين بل هي التي أنشأت هذه الكذبة عن قصد وإصرار وليس عندها أي استعداد للاعتذار. وفي حرب فيتنام اختلقت الحكومة الأمريكية حادثة خليج تونكين حتى يبرّروا مشاركتهم المباشرة في الحرب ضد الفيت كونج بعد أن كانوا يدعمون قوات فيتنام الجنوبية. وبعد انطلاق الحرب استمر الأمريكان يروجون بأن وجودهم هناك حماية لفيتنام من الشيوعية ووقوفا مع الشعب الفيتنامي.


لا قيمة للديمقراطية وحقوق الإنسان خارج الحدود

رغم مزاعم الغرب أنه يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فإن معظم تدخلات الغرب في العالم على مدى المئة سنة الماضية ضد الديمقراطية وضد حقوق الإنسان.


في أمريكا اللاتينية دعمت الولايات المتحدة عشرات الانقلابات ضد أنظمة ديمقراطية في بوليفيا و كولومبيا و فنزويلا و نيكاراغوا و شيلي و كوبا وهايتي وبورتوريكو والمكسيك. هذا فضلا عن تسليحها وتمويلها العصابات الدموية هناك بحجة محاربة الشيوعية.


أما في منطقتنا فلا أدل على ذلك من حملات الاستعمار ثم تنصيب عملائهم بعد خروج الاستعمار، وبعد الاستعمار مولت أمريكا وبريطانيا وفرنسا عدة انقلابات ضد الديموقراطية من أشهرها الانقلاب ضد مصدق في إيران والانقلاب ضد الائتلاف الذي شارك فيه أربكان في تركيا و الانقلاب ضد الجبهة الإسلامية في الجزائر وانقلاب السيسي في مصر وغيرها.


دموية بلا اعتذار

تباكي الغرب على الدماء والدمار والاغتصاب ليس نفاقا مفضوحا فحسب بل يصدق عليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". الغرب هو أبو العنف والقتل والاغتصاب وأمّه، وهو جزء من ثقافته المتجذرة سواء في مرحلة المسيحية أو العلمانية. والشاهد هنا أن الغرب لا يرتبك المجازر فحسب بل يفتخر بها ويرفض الاعتذار عنها.


لم تعتذر أمريكا عن القنبلة الذرية على اليابان، ولم تعتذر عن تدمير مدينة دريسدن في ألمانيا وقتل ٢٥ ألف شخص دفعة واحدة رغم أن المدينة ليس لها أهمية استراتيجية عسكريا، ولم تعتذر أمريكا عن قتل ملايين الفيتناميين بقنابل النابالم وتدمير المزارع وتخريب البيئة خرابا طويل الأمد. ولم تعتذر أمريكا عن قتل ملايين الأطفال العراقيين بالحصار ثم بالقصف، ولم تعتذر فرنسا عن قتل ملايين الجزائريين في مقاومتهم للاحتلال، ولم تعتذر بريطانيا عن قتل وتشريد الملايين من الفلسطينيين من أجل إنشاء إسرائيل.


كما لم يعتذر الغرب عن ملايين الحالات من الاغتصاب في ألمانيا بعد الحرب وفي فيتنام واليابان والعراق وبلاد أخرى. أما في فلسطين فالاعتذار ليس في الخيال لأن الأصل هو مباركة القتل والقمع والحصار والتجويع والتشريد الذي تمارسه إسرائيل.


القوة والمصالح فقط

بعد أن انحسر دور المسيحية وطغت العلمانية على الغرب لم يعد الغرب يداري إلا المصالح ولا يحترم إلا القوة. لم يُطرد الاستعمار إلا بالقوة، ولم ينته النظام العنصري المدعوم غربيا في جنوب أفريقيا إلا بالقوة، ولم تخرج أمريكا من فيتنام وأفغانستان والعراق والصومال واليمن إلا بالقوة.


تجاهل الغرب حروبا طاحنة بين دول كثيرة أو حروبا أهلية ومجازر لأنها ليس لها تأثير على مصالحه بينما تدخل بتحالف هائل في كوريا والعراق وفيتنام.  وضع الغرب كل ثقله في أوكرانيا ضد روسيا وفي المقابل ساهم في تمكين روسيا في غزوها لسورية، والسبب، مصالح. تكفلت أمريكا بحماية دائمة لتايوان ضد الصين بينما تجاهلت احتلال تركستان الشرقية والسبب مصالح.


الشعوب الغربية تتحمل المسؤولية مثل حكوماتها

يعتبر تمثيل الحكومات لشعوبها في الغرب من أفضل أنواع التمثيل للشعوب سواء من الناحية العددية أو من الناحية الوجدانية والضميرية. ولهذا فإن قرار الحكومات ليس منطلقا من حاكم مستبد أو حزب متسلط على الشعب بل هو صادر عمّن يمثل الشعب حقيقة وممن يزيحه الشعب متى ما أراد.


ونفوذ الشعب لا يقتصر على اختيار الحاكم فحسب، بل يمتد لمحاسبته ومعرفة تفاصيل القرار والحرية في انتقاده في أي منصة وأي مكان ووقت. كما لا يقتصر نفوذ الشعب في اختيار فرد الحاكم بل يمتد لاختيار ممثليه الذين يراجعون سياسة الحاكم وتعييناته في المناصب ويقرّونها أو يرفضونها.


ولهذا فإن الشعوب في الغرب تتحمل مسؤولية ممارسة الحكومات كاملة لأنها هي التي اختارت ثم رضيت وأقرّت. وهذه المسؤولية متواصلة مع الزمن لأن الحكومات المتتابعة والمجالس المتتابعة التي يختارها الشعوب تكرّر وتعيد نفس المواقف.


كيف -بناء على ذلك- يجب التعامل مع الغرب؟

ما دام الغرب لا يحترم إلا القوة والمصالح فلن ينفع كثيرا مخاطبته بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية .. الخ. وأفضل قوة يواجه بها الغرب هو تحرير العرب والمسلمين من طغاتهم وتمكّنهم من اختيار القوي الأمين لقيادتهم.


وإذا حققت الأمة ـ ولو جزئيا ـ شيئا من ذلك فإن قيادة القوي الأمين لا تقتصر على تحقيق القوة العسكرية بل تعني القوة في كل شيء، في السياسة وفي الإعلام وفي الاقتصاد وفي التربية والدعوة .. الخ. وقبل أن تستخدم قدراتها المسلحة تستطيع الأمة استخدام قدراتها المادية والفنية والإعلامية والسياسية في التلاعب بشعوب الغرب كما كان الصهاينة يتلاعبون بهم. وعند ذلك سيعلم الغرب أن مصلحته في إرضاء العرب والمسلمين وسيأتي صاغرا مستجديا رضاهم. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير سياسي وتمكين القوي الأمين، لماذا؟ لأن المستبدين قلبوا المعادلة وجعلوا كل القوة العسكرية والإعلامية والمالية في خدمة إسرائيل والغرب.


قطعة صغيرة من الأرض اسمها غزة تخلصت من استبداد الطغاة فجمع لها الغرب خيلَه ورَجِله، ثم عجز، فكيف لو تخلصت كل بلاد المسلمين من طغاتها، بل لو تخلصت دولة واحدة مثل الأردن أو السعودية أو مصر أو سوريا من طاغيتها؟

bottom of page